جمال المرأة كان ولا يزال وسيبقى ملهم الشعراء ، ومهوى أفئدتهم ، وغذاء عيونهم ، فنراهم يقفون عند المرأة يصفون جسدها، ولا يكادون يتركون شيئا فيها دون وصف إذ يتعرضون لجبينها وخدها وعنقها وصدرها وعينها وفمها وعفتها ، وقد يتعرضون لبعض مغامراتهم العاطفية معها . وقد أبدع الشعراء في تصوير حبهم للمرأة ، فأكثروا الحديث عن الدموع التي ذرفوها ، وعن ذكرياتهم مع الحبيبات ، وعن طيفهن وما يثيره في أنفسهم من تباريح الحب ، ولواعج العشق ، وصبابات الهوى . وقد كانوا كثيرا يصفون ظعن الحبيبة وهي راحلة عنهم ، لا بل ويتتبعون سيرها ، ويراقبون ما تصنع هي وصويحباتها في قلوب الرجال وهن يظهرن بكلة ويسدلن أخرى ، ويرسلن براقعهن على وجوههن ، وذوائبهن على ظهروهن . وقد كثر الحب في الأدب العربي منذ الجاهلية إلى اليوم كثرة مفرطة ، وحتى في أغراض الشعر الأخرى ، مديحا وغير مديح ، يقدم الشعراء لقصائدهم فيها أبياتا من الغزل أو النسيب جذبا للأسماع ، وكذلك لا نغلو إذا قلنا أن النسيب والغزل والحب يكاد يكون الغرض الأساسي للشعر العربي ، وهو أمر طبيعي ، لأنه يتناول عاطفة الحب الإنسانية الخالدة بجميع أحاسيسها مشاعرها وانفعالاتها وانعكاساتها على حياة الشاعر المحب أو العاشق منذ تستهويه امرأة فيقع فريسة لحبها، وتملأ قلبه وجداً وشوقاً إلى رؤيتها ، وقد تعرف منه هذا الحب ، فتلقاه أو تنظر إليه ، أو تومئ إليه إيماءة فيزداد ولعا بها وغراما ، وقد تتدلل عليه وتمتنع ، وقد تنأى عنه وتهجره فتضطرم بين جوانحه نار شوق لا تخمد ، وعبثا يتذلل لها ويستعطف ويتضرع ، ومع ذلك لا يذوى الأمل في نفسه بلقائها أبدا ، فهو دائما مؤمل في اللقاء بعد الهجران وعلى الأقل في الرؤية بعد الحرمان .